فصل: قال البقاعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

هل في القرآن على سبعة أوجه في موضع يراد بها قد، كقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية} [الغاشية: 1] أي قد أتاك.
ومرة يراد بها الاستفهام، كقوله: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} [الشورى: 44] ومرة يراد بها السؤال، كقوله: {فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا} [الأعراف: 44].
ومرة يراد بها التفهيم، كقوله: {يا أيها الذين آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10].
ومرة يراد بها التوبيخ، كقوله: {هل أنبؤكم على من تنزل الشياطين} [الشعراء: 221].
ومرة يراد بها الأمر، كقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91]، أي انتهوا، ومرة يراد بها الجحد، كقوله في هذا الموضع: {هَلْ يَنظُرُونَ}. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: النفس الأمارة تظهر الأشياء المموهة والأقوال المزخرفة وترى أنها أولى الأولياء، ولكنها أعدى الأعداء وتسعى في تخريب أرض القلب وإبطال حرث الصدق في طلب السعادة إهلاك نسل ما يتولد من الأخلاق الحميدة وتشمخ بأنفها عن قبول الحق فحسبه جهنم الميعاد {ومن الناس من يشري} هذا شأن الأولياء باعوا أنفسهم خالصًا لوجه الله لا لأجل الجنة {ادخلوا في السلم كافة} أي بجميع الأجزاء والأعضاء الظاهرة والباطنة. ودخول القلب في الإسلام يكون بدخول الإيمان في القلب، ودخول الروح في الإسلام يكون بتخلقه بأخلاق الله وتسليم الأحكام والأقضية لله، ودخول السر في الإسلام بفنائه في الله وبقائه بالله، وهذا مقام يضيق عن إعلانه نطاق النطق ولا يسع إظهاره ظروف الحروف.
وإن قميصًا خيط من نسج تسعة ** وعشرين حرفًا من معانيه قاصر

الله ولي التوفيق وهو حسبي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (211):

قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان بنو إسرائيل أعلم الناس بظهور مجد الله في الغمام لما رأى أسلافهم منه عند خروجهم من مصر وفي جبل الطور وقبة الزمان وما في ذلك على ما نقل إليهم من وفور الهيبة وتعاظم الجلال قال تعالى: جوابًا لمن كأنه قال: كيف يكون هذا؟ {سل} بنقل حركة العين إلى الفاء فاستغنى عن همزة الوصل {بني إسرائيل} أي الذين هم أحسد الناس للعرب ثم استفهم أو استأنف الإخبار {كم آتيناهم} من ذلك ومن غيره {من آية بينة} بواسطة أنبيائهم فإنهم لا يقدرون على إنكار ذلك، وسكوتهم على سماعه منك إقرار منهم. وقال الحرالي: ولما كان هذا الذي أنذروا به أمرًا مجملًا أحيلوا في تفاصيل الوقائع وتخصيص الملاحم ووقوع الأشباه والنظائر على ما تقدم ووقع مثاله في بني إسرائيل لتكرار ما وقع فيهم من هذه الأمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة فقال: {سل}، استنطاقًا لحالهم لا لإنبائهم وإخبارهم، فالتفات النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يشهده الله من أحوال بني إسرائيل وأحوال ملوكهم وأحبارهم وأيامهم وتفرقهم واختلافهم وصنوف بلاياهم هو سؤاله واستبصاره لا أن يسأل واحدًا فيخبره؛ انتهى- كذا قال، والظاهر أنه إباحة لسؤالهم فإنه صلى الله عليه وسلم ما سألهم عن شيء وكذبوا في جوابه فبين كذبهم إلا عرفوا بالكذب، كقصة حد الزنا وقضية سؤالهم عن أبيهم وقضية سم الشاة ونحو هذا، وفي ذلك زيادة لإيمان من يشاهده وإقامة للحجة عليهم وغير هذا من الفوائد. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ}:

.قال ابن عاشور:

تتنزل هاته الآية من التي قبلها منزلةَ البرهان على معنى الجملة السابقة، فإن قوله: {هل ينظرون} [البقرة: 210] سواء كان خبرًا أو وعيدًا أو وعدًا أم تهكمًا، وأيًّا ما كان معاد الضمير فيه على الأوجه السابقة قد دل بكل احتمال على تعريض بِفرَقٍ ذَوي غُرور وتماد في الكفر وقلةِ انتفاع بالآيات البينات، فناسب أن يعقب ذلك بإلفاتهم إلى ما بلَغهم من قلة انتفاع بني إسرائيل بما أُوتوه من آيات الاهتداء مع قلة غَناء الآيات لديهم على كثرتها، فإنهم عاندوا رسولهم ثم آمنوا به إيمانًا ضعيفًا ثم بدلوا الدين بعد ذلك تبديلًا.
وعلى احتمال أن يكون الضمير في {ينظرون} [البقرة: 210] لأهل الكتاب: أي بني إسرائيل فالعدول عن الإضمار هنا إلى الإظهار بقوله: {بني إسرائيل} لزيادة النداء على فضيحة حالهم ويكون الاستدلال عليهم حينئذٍ أشد، أي هم قد رأوا آيات كثيرة فكان المناسب لهم أن يبادوا بالإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أعلم الناس بأحوال الرسل، وعلى كل فهذه الآية وما بعدها معترضات بين أغراض التشريع المتتابعة في هذه السورة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه ليس المقصود: سل بني إسرائيل ليخبروك عن تلك الآيات فتعلمها وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان عالمًا بتلك الأحوال بإعلام الله تعالى إياه، بل المقصود منه المبالغة في الزجر عن الإعراض عن دلائل الله تعالى، وبيان هذا الكلام أنه تعالى قال: {يا أيها الذين آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} [البقرة: 208] فأمر بالإسلام ونهى عن الكفر، ثم قال: {فَإِن زَلَلْتُمْ مّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ البينات} أي فإن أعرضتم عن هذا التكليف صرتم مستحقين للتهديد بقوله: {فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 209] ثم بين ذلك التهديد بقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام والملائكة} [البقرة: 210] ثم ثلث ذلك التهديد بقوله: {سَلْ بَنِى إسراءيل} يعني سل هؤلاء الحاضرين أنا لما آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها، لا جرم استوجبوا العقاب من الله تعالى، وذلك تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلوا عن آيات الله لوقعوا في العذاب كما وقع أولئك المتقدمون فيه، والمقصود من ذكر هذه الحكاية أن يعتبروا بغيرهم، كما قال تعالى: {فاعتبروا ياأولى الأبصار} [الحشر: 2] وقال: {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى الألباب} [يوسف: 111] فهذا بيان وجه النظم. اهـ.

.قال الماوردي:

وفي المراد بسؤاله بني إسرائيل، ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنبياؤهم.
والثاني: علماؤهم.
والثالث: جميعهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والمأمور بالسؤال هو الرسول؛ لأنه الذي يترقب أن يجيبه بنو إسرائيل عن سؤاله؛ إذ لا يعبأون بسؤال غيره؛ لأن المراد بالسؤال سؤال التقرير للتقريع، ولفظ السؤال يجيء لما تجيء له أدوات الاستفهام. والمقصود من التقرير إظهار إقرارهم لمخالفتهم لمقتضى الآيات فيجيء من هذا التقرير التقريعُ فليس المقصود تصريحهم بالإقرار؛ بل مجرد كونهم لا يسعهم الإنكار.
والمراد ب {بني إسرائيل} الحاضرون من اليهود. والضمير في {آتيناهم} لهم، والمقصود إيتاء سلفهم؛ لأن الخصال الثابتة لأسلاف القبائل والأمم، يصح إثباتها للخلف لترتب الآثار للجميع كما هو شائع في مصطلح الأمم الماضية من العرب وغيرهم. ويجوز أن يكون معنى إيتائهم الآيات أنهم لما تناقلوا آياتِ رسلهم في كتبهم وأيقنوا بها فكأنهم أوتوها مباشرة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {مِّنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ}:

قال الفخر:
قوله: {مِّنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ} فيه قولان أحدها: المراد به معجزات موسى عليه السلام، نحو فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ونتق الجبل، وتكليم الله تعالى لموسى عليه السلام من السحاب، وإنزال التوراة عليهم، وتبيين الهدى من الكفر لهم، فكل ذلك آيات بينات.
والقول الثاني: أن المعنى؛ كم آتيناهم من حجة بينة لمحمد عليه الصلاة والسلام، يعلم بها صدقه وصحة شريعته. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:

.قال البقاعي:

ولما كان التقدير: فكانوا إذا بدلوا شيئًا من آياتنا واستهانوا به عاقبناهم فشددنا عقابهم، كما دل عليه ما سقته من التوراة في هذا الديوان لمن تدبر عطف عليه قوله: {ومن يبدل} من التبديل وهو تصيير الشيء على غير ما كان {نعمة الله} أي الذي لا نعمة إلا منه التي هي سبب الهدى فيجعلها سببًا لضلال أو سببًا لشكر فيجعلها سبب الكفر كائنًا من كان. قال الحرالي: وأصل هذا التبديل رد علم العالم عليه ورد صلاح الصالح إليه وعدم الاقتداء بعلم العالم والاهتداء بصلاح الصالح وذلك المشاركة التي تقع بين العامة وبين العلماء والصلحاء وهو كفر نعمة الله وتبديلها- انتهى.
ولما كان الفطن من الناس يستجلب النعم قبل إتيانها إليه والجامد الغبي يغتبط بها بعد سبوغها عليه وكان المحذور تبديلها في وقت ما لا في كل وقت قال تعالى: {من بعد ما جاءته} أي وتمكن من الرسوخ في علمها تنبيهًا على أن من بدلها في تلك الحال فقد سفل عن أدنى الإنسان والتحق بما لا يعقل من الحيوان. ولما كان التقدير: يهلكه الله، علله بقوله: {فإن الله} أي العظيم الشأن {شديد العقاب} وهو عذاب يعقب الجرم، وذكر بعض ما يدل على صدق الدعوى في معرفة بني إسرائيل بما في ظهور المجد في الغمام من الرعب وما آتاهم من الآيات البينات، قال في أوائل السفر الخامس من التوراة: فاسمعوا الآن يا بني إسرائيل السنن والأحكام التي أعلمكم لتعملوا بها وتعيشوا وتدخلوا وترثوا الأرض التي يعطيكم الله رب آبائكم، لا تزيدوا على الوصية التي أوصيكم بها، قد رأيتم ما صنع الله ببعلصفون من أجل أن كل رجل اتبع بعلصفون أهلكه الله ربكم من بينكم وأنتم الذين تبعتم الله ربكم أنتم أحياء- سالمون إلى اليوم، انظروا أني قد علمتكم السنن والأحكام كما أمرني الله لتعملوا بها الأرض التي تدخلونها وتحفظوها وتعملوا بها، لأنها حكمتكم وفهمكم تجاه الشعوب التي تسمع منكم هذه السنن كلها ويقولون إذا سمعوها: ما أحكم هذا الشعب العظيم! وما أحسن فهمه! أي شعب عظيم إلهه قريب منه مثل الله ربنا فيما دعوناه! وأي شعب عظيم له سنن وأحكام معتدلة مثل هذه السنة التي أتلو عليكم اليوم! ولكن احتفظوا واحترسوا بأنفسكم ولا تنسوا جميع الآيات التي رأيتم ولا تزل عن قلوبكم كل أيام حياتكم بل علموها بنيكم وبني بنيكم وأخبروهم بما رأيتم يوم وقفتم أمام الله ربكم في حوريب يوم قال الرب: اجمع هذا الشعب أمامي لأسمعهم آياتي ويتعلموا أن يتقوني كل أيام حياتهم على الأرض ويعلموا بنيهم أيضًا وتقدمتم وقمتم في سفح الجبل والجبل يشتعل نارًا يرتفع لهيبها إلى جو السماء ورأيتم الظلة والضباب والسحاب فكلمكم الرب في الجبل من النار، كنتم تسمعون صوت الكلام ولم تكونوا ترون شبهًا، فأظهر لكم عهده وأمركم أن تعلموا العشر آيات.
وكتبها على لوحين من حجارة، احترسوا واحتفظوا بأنفسكم جدًا لأنكم لم تروا شبهًا في اليوم الذي كلمكم الله ربكم من الجبل من النار، احتفظوا، لا تفسدوا ولا تتخذوا أصنامًا وأشباهها من كل جنس شبه ذكر أو أنثى أو شبه بهيمة في الأرض أو شبه كل طير في الهواء أو شبه كل هوام الأرض، ولا ترفعوا أعينكم إلى السماء وتنظروا إلى الشمس والقمر والكواكب وإلى كل أجناد السماء وتضلوا بها وتسجدوا لها وتعبدوها، التي اتخذها جميع الشعوب الذين تحت السماء؛ فأما أنتم فقربكم الله وأخرجكم من كور الحديد من أرض مصر لتصيروا له ميراثًا كاليوم- هذا نصه وقد تقدم ذلك مستوفى من السفر الثاني من التوراة عند قوله تعالى: {وإذ استسقى موسى لقومه} [البقرة: 60] فكان الرجوع إلى قص ما يريد الله سبحانه وتعالى من أحوال بني إسرائيل للأغراض الماضية على غاية ما يكون من الأحكام وفي الذروة العليا من حسن الانتظام وتجلي الملائكة في ظلل الغمام أمر مألوف منه ما في الصحيح عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: «كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر؛ فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن». وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه «أنه بينما هو يقرأ سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت وسكنت، ثم قرأ فجالت، فانصرف؛ فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم وقال: فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فرفعت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم». اهـ.